عدد الرسائل : 60 العمر : 31 العمل/الترفيه : طالبه واصعب الأعمال المزاج : مروقهــ // علــى طــول... الأوسمة : تاريخ التسجيل : 04/07/2008
موضوع: وقفــــة للشيخ عائض القرني السبت يوليو 05, 2008 3:30 am
وقفــــة
لا تحزنْ : لأنك جرّبتَ الحزن بالأمسِ فما نَفَعَكَ شيئاً ، رَسَبَ ابنُك فحزنتَ ، فهل نَجَحَ؟! مات والدُك فحزنت فهل عادَ حيّاَ ؟! خسِرت تجارتُك فحزنت، فهل عادتْ الخسائرُ أرباحاً؟! لا تحزنْ : لأنك حزنت من المصيبةِ فصارتْ مصائبَ ، وحزنتَ من الفقرِ فازْددْتَ نَكَداً ، وحزنتَ من كلام أعدائك فأعنتهمْ عليك ، وحزنْت من توقُّع مكروهٍ فما وقع . لا تحزنْ : فإنهُ لنْ ينفعك مع الحُزْن دارٌ واسعةٌ ، ولا زوجةٌ حسناءُ ، ولا مالٌ وفيرٌ ، ولا منصبٌ سامٍ ، ولا أولادٌ نُجباءُ . لا تحزنْ : لأنَّ الحُزْنَ يُريك الماءَ الزلالَ علْقماً ، والوردةَ حَنْظَلَةً ، والحديقةَ صحراءَ قاحلةً ، والحياة سجناً لا يُطاقُ . لا تحزنْ : وأنت عندك عينانِ وأذنانِ وشفتانِ ويدانِ ورجلانِ ولسانٌ ، وجَنَانٌ وأمنٌ وأمانٌ وعافيةٌ في الأبدانِ : ﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ . لا تحزنْ : ولك دينٌ تَعْتَقِدُهُ ، وبيتٌ تسكُنُهُ ، وخبزٌ تأكلُه ، وماءٌ تشربُهُ ، وثوبٌ تَلْبَسُهُ ، وزوجةٌ تأوي إليها ، فلماذا تحزنْ ؟! ********************************** نعمة الألم
الألمُ ليس مذموماً دائماً ، ولا مكروهاً أبداً ، فقدْ يكونُ خيراً للعبدِ أنْ يتأَلَّمَ . إنَّ الدعاء الحارَّ يأتي مع الألمِ ، والتسبيحَ الصادقَ يصاحبُ الألَمَ ، وتألُّم الطالبِ زَمَنَ التحصيلِ وحمْله لأعباءِ الطلبِ يُثمرُ عالماً جَهْبَذاً ، لأنهُ احترق في البدايةِ فأشرق في النهايةِ. وتألُّم الشاعرِ ومعاناتُه لما يقولُ تُنتجُ أدباً مؤثراً خلاَّباً ، لأنه انقدحَ مع الألمِ من القلبِ والعصبِ والدمِ فهزَّ المشاعرَ وحرَّكَ الأفئدةَ . ومعاناة الكاتبِ تُخرجُ نِتاجاً حيّاً جذَّاباً يمورُ بالعِبرِ والصورِ والذكرياتِ . إنَّ الطالبَ الذي عاشَ حياةَ الدَّعةِ والراحةِ ولم تلْذعْهُ الأَزَمَاتُ ، ولمْ تكْوِهِ المُلِمَّاتُ ، إنَّ هذا الطالبَ يبقى كسولاً مترهِّلاً فاتراً . وإنَّ الشاعر الذي ما عرفَ الألمَ ولا ذاقَ المر ولا تجرَّع الغُصَصَ ، تبقى قصائدهُ رُكاماً من رخيصِ الحديثِ ، وكُتلاً من زبدِ القولِ ، لأنَّ قصائدَهُ خرجَتْ من لسانِهِ ولم تخرُجْ من وجدانِهِ ، وتلفَّظ بها فهمه ولم يعِشْها قلبُه وجوانِحُهُ . وأسمى من هذهِ الأمثلةِ وأرفعُ : حياةُ المؤمنين الأوَّلين الذين عاشوا فجْرَ الرسالةِ ومَولِدَ الملَّةِ ، وبدايةَ البَعْثِ ، فإنهُم أعظمُ إيماناً ، وأبرُّ قلوباً ، وأصدقُ لهْجةً ، وأعْمقُ عِلمْاً ، لأنهم عاشوا الأَلَمَ والمعاناةَ : ألمَ الجوع والفَقْرِ والتشريدِ ، والأذى والطردِ والإبعادِ، وفراقَ المألوفاتِ ، وهَجْرَ المرغوباتِ ، وألمَ الجراحِ ، والقتلِ والتعذيبِ ، فكانوا بحقٍّ الصفوة الصافيةَ ، والثلَّةَ المُجْتَبَاةَ ، آياتٍ في الطهرِ ، وأعلاماً في النبل ، ورموزاً في التضحية ، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ . وفي عالم الدنيا أناسٌ قدَّموا أروعَ نتِاجَهُمْ ، لأنهم تألمَّوا ، فالمتنبي وعَكَتْه الحُمَّى فأنشدَ رائعته : وزائرتي كأنَّ بها حياءَ فليسَ تزورُ إلاَّ في الظلامِ
والنابغةُ خوّفَهُ النعمانُ بنُ المنذرِ بالقتلِ ، فقدَّم للناس : فإنكَ شمسٌ والملوكُ كواكبٌ إذا طلعتْ لم يبْدُ منهنَّ كَوكبُ
وكثيرٌ أولئك الذين أَثْرَوا الحياةَ ، لأنهم تألمَّوا . إذنْ فلا تجزعْ من الألم ولا تَخَفَ من المعاناةِ ، فربما كانتْ قوةً لك ومتاعاً إلى حين ، فإنكَ إنْ تعشْ مشبوبَ الفؤادِ محروقَ الجَوَى ملذوعَ النفسِ ؛ أرقُّ وأصفى من أن تعيشَ باردَ المشاعرِ فاترَ الهِمَّةِ خامدَ النَّفْسِ ، ﴿ وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ ذكرتُ بهذا شاعراً عاش المعاناةَ والأسى وألمَ الفراقِ وهو يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ في قصيدةٍ بديعةِ الحُسْنِ ، ذائعةِ الشُّهرةِ بعيدةٍ عن التكلُّف والتزويق : إنه مالك بن الرّيب ، يَرثي نفسه : أَلَمْ تَرَني بِعْتُ الضَّلاَلةَ بالهُدَى
وأصبحتُ في جيش ابنِ عفَّانَ غازيَا
فللهِ دَرِّي يومَ أُتْرَكُ طائعاً
بَنِيَّ بأعلى الرقمتيْن وماليا
فيا صاحِبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزلا
برابيةٍ إنِّي مقيمٌ لياليا
أقيما عليَّ اليومَ أوْ بَعْضَ ليلةٍ
ولا تُعجِلاني قد تبيَّن ما بيا
وخُطاً بأطرافِ الأسنةِ مضجعي
ورُدَّا على عَيْنَيَّ فضلَ ردائيا
ولا تحسُداني بارَك اللهُ فيكما
مِن الأرضِ ذاتِ العَرْض أنْ تُوسِعَا ليا
إلى آخرِ ذاكَ الصوتِ المتهدِّجِ ، والعويلِ الثاكل ، والصرخةِ المفجوعةِ التي ثارتْ حمماً منْ قلبِ هذا الشاعرِ المفجوعِ بنفسهِ المصابِ في حياتهِ . إن الوعظَ المحترقَ تَصِلُ كلماتُه إلى شِغافِ القلوبِ ، وتغوصُ في أعماقِ الرُّوحِ لأنه يعيشُ الألمَ والمعاناةَ ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾ . لا تعذلِ المشتاقَ في أشواقِه حتى يكونَ حشاكَ في أحشائِه
لقد رأيتُ دواوينَ لشعراءَ ولكنها باردةً لا حياةَ فيها، ولا روح لأنهمْ قالوها بلا عَناء ، ونظموها في رخاء ، فجاءتْ قطعاً من الثلجِ وكتلاً من الطينِ . ورأيتُ مصنَّفاتٍ في الوعظِ لا تهزُّ في السامعِ شعرةً ، ولا تحرِّكُ في المُنْصِتِ ذرَّةً ، لأنهم يقولونَها بلا حُرْقةٍ ولا لوعةٍ ، ولا ألمٍ ولا معاناةٍ، ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ . فإذا أردتَ أن تؤثِّر بكلامِك أو بشعْرِك ، فاحترقْ به أنت قَبْلُ ، وتأثَّرْ به وذقْه وتفاعلْ مَعَهُ ، وسوفَ ترى أنك تؤثِّر في الناس ،﴿ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ . ************************************ نعمة المعرفة
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ . الجهلُ موتٌ للضميرِ وذَبْحٌ للحياةِ ، ومَحْقٌ للعمرِ ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ . والعلمُ نورٌ البصيرة ، وحياةٌ للروحِ ، ووَقُودٌ للطبعِ ، ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ . إنَّ السرورَ والانشراحَ يأتي معَ العلم ، لأنّ العلمَ عثورٌ على الغامضِ ، وحصولٌ على الضَّالَّة ، واكتشافٌ للمستورِ ، والنفسُ مُولَعةٌ بمعرفةِ الجديدِ والاطلاعِ على المُسْتَطْرَفِ . أمَّا الجهلُ فهوَ مَلَلٌ وحُزْنٌ ، لأنه حياةٌ لا جديدَ فيها ولا طريفَ ، و لا مستعذَباً ، أمسِ كاليومِ ، واليومَ كالغدِ . فإنْ كنتَ تريدُ السعادةَ فاطلبِ العلمَ وابحثْ عن المعرفةِ وحصِّل الفوائدَ ، لتذهبَ عنكَ الغمومُ والهمومُ والأحزانُ ، ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ ، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ . ((من يردِ اللهُ به خيراً يفقِّههُ في الدينِ )). ولا يفخرْ أحدٌ بمالِهِ أو بجاهِهِ ، وهو جاهلٌ صفْرٌ من المعرفةِ ، فإنَّ حياتَه ليستْ تامَّةً وعمرُه ليس كاملاً : ﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾ . قال الزمخشريُّ : سهري لتنقيحِ العلومِ ألذُّ لي
مِنَ وَصْلِ غانيةٍ وطيِبِ عنِاقِ
وتمايُلي طرَباً لحلِّ عويصةٍ
أشهى وأحلى من مُدامةِ ساقي
وصريرُ أقلامي على أوراقها
أحلى من الدَّوْكاءِ والعشَّاقِ
وألذُّ من نقرِ الفتاةِ لدُفِّها
نقري لأُلقي الرملَ عن أوراقي
يا مَنْ يحاول بالأماني رُتْبتي
كمْ بين مُسْتَغْلٍ وآخرَ راقي
أأبيتُ سهران الدُّجى وتبيتهُ
نوماً وتبغي بعدَ ذاكَ لحِاقي
ما أشرفَ المعرفة ، وما أفرحَ النفسَ بها ، وما أثلجَ الصدرَ ببرْدها ، وما أرحبَ الخاطرَ بنزولها ، ﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ﴾ . *************************************** فن السرور
من أعظمِ النعمِ سرورُ القلبِ ، واستقرارُه وهدوؤُهُ ، فإنَّ في سرورهِ ثباتُ الذهنِ وجودةِ الإنتاجِ وابتهاجِ النفسِ ، وقالوا. إنّ السرورَ فنٌّ يُدرَّسُ ، فمنْ عرفَ كيفَ يجلبُه ويحصلُ عليه ، ويحظى به استفادَ من مباهجِ الحياةِ ومسارِ العيشِ ، والنعمِ التي من بينِ يديْه ومن خلفِه. والأصلُ الأصيلُ في طلبِ السرورِ قوةُ الاحتمالِ ، فلا يهتزُّ من الزوابعِ ولا يتحرَّكُ للحوادثِ ، ولا ينزعجُ للتوافِهِ . وبحسبِ قوةِ القلبِ وصفائِهِ ، تُشرقُ النَّفْسُ . إن خَوَرَ الطبيعةِ وضَعْفَ المقاومةِ وجَزَعَ النفسِ ، رواحلُ للهمومِ والغمومِ والأحزانِ ، فمنْ عوَّد نفسَه التصبُّر والتجلُّدَ هانتْ عليه المزعجاتُ ، وخفَّتْ عليهِ الأزماتُ . إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا فأهونُ ما تمرُّ به الوحولُ
ومن أعداءِ السرورِ ضيِقُ الأُفُقِ ، وضحالَةَ النظرةِ ، والاهتمامُ بالنفس فَحَسْبُ ، ونسيانُ العالمِ وما فيه ، واللهُ قدْ وصفَ أعداءَهُ بأنهمْ ﴿ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ ﴾ ، فكأن هؤلاءِ القاصرينَ يَرَوْن الكَوْنَ في داخلِهم ، فلا يفكّرونَ في غيرِهِمْ ، ولا يعيشوَن لسواهُمْ ، ولا يهتمّونَ للآخرينَ . إنَّ عليَّ وعليكَ أنْ نَتَشَاغَلَ عن أنفسِنَا أحياناً ، ونبتعد عن ذواتِنا أزماناً لِنَنْسَى جراحَنا وغمومَنا وأحزانَنا ، فنكسبَ أمرْين : إسعادَ أنفسنِا ، وإسعادَ الآخرين. من الأصولِ في فنِّ السرورِ : أن تُلجمَ تفكيرَكَ وتعصمهَ ، فلا يتفلَّتُ ولا يهربُ ولا يطيشُ ، فإنك إنْ تركتَ تفكيرَكَ وشأنَهُ جَمَحَ وطَفَحَ ، وأعادَ عليكَ مَلفَّ الأحزانِ وقرأَ عليكَ كتابَ المآسي منذُ ولدتْكَ أمُّكَ. إنَّ التفكيرَ إذا شردَ أعادَ لك الماضي الجريحَ وجرجَرَ المستقبلَ المخيفَ ، فزلزلَ أركانَك ، وهزّ كيانَك وأحرقَ مشاعرَك ، فاخطمْه بخطامِ التوجُّهِ الجادِّ المركّزِ على العملِ المثمرِ المفيدِ ، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ . ومن الأصول أيضاً في دراسةِ السرورِ : أنْ تُعطيَ الحياةَ قيمتَها ، وأنْ تُنزلَهَا منزلتها ، فهي لهْوٌ ، ولا تستحقُّ منكَ إلا الإعراضَ والصدودَ ، لأنها أمُّ الهجْرِ ومُرضِعةُ الفجائعِ ، وجالبةُ الكوارثِ ، فمَنْ هذه صفتُها كيف يُهتمُّ بها ، ويُحزنُ على ما فات منها. صفُوها كَدَرٌ ، وبرقُها خُلَّبٌ ، ومواعيدُها سرابٌ بقيِعةٍ ، مولودُها مفقودٌ ، وسيدُها محسودٌ ، ومنعَّمُها مهدَّدٌ ، وعاشقُها مقتولٌ بسيفِ غَدْرِها . أًبَني أَبِينا نحنُ أهلُ منازلِ
أبداً غُرابُ البَيْنِ فيها يَنْعِقُ
نبكي على الدنيا وما مِنْ معشرٍ
جمعتْهُمُ الدنيا فلمْ يتفرَّقوا
أينَ الجَبَابِرَةُ الأكاسرةُ الأُلى
كَنَزْوا الكنوزَ فلا بقينَ ولا بَقُوا
مِن كلِّ مَنْ ضاقَ الفَضَاءُ بِعَيْشِه
حتى ثَوى فحَوَاه لحدٌ ضَيِّقُ
خُرْسٌ إذا نُودوا كأنْ لمْ يعلمُوا
أنَّ الكلامَ لهم حَلاَلٌ مُطلَقُ
وفي الحديثِ : (( إنما العلمُ بالتعلُّمِ والحِلْمُ بالتحلُّمِ )) . وفي فنِّ الآدابِ : وإنما السرورُ باصطناعِه واجتلابِ بَسْمَتِهِ ، واقتناصِ أسبابِهِ ، وتكلُّفِ بوادرِه ، حتى يكونَ طبْعاً . إن الحياةَ الدُّنيا لا تستحقُّ منا العبوسَ والتذمُّرَ والتبرُّمَ . حُكْمُ المنيَّةِ في البريةِ جارِي
ما هذهِ الدنيا بدارِ قرارِ
بينا تَرَى الإنسان فيها مُخْبِراً
ألفيْتَهُ خَبَراً مِن الأخبارِ
طُبِعَتْ على كَدَرٍ، وأنتَ تريدُها
صَفْواً من الأقذارِ والأكدارِ
ومكلِّفُ الأيَّامِ ضِدَّ طباعِها
مُتطلِّبٌ في الماء جُذْوَةَ نارِ
والحقيقةُ التي لا ريبَ فيها أنكَ لا تستطيعُ أنْ تنزعَ من حياتِكَ كلِّ آثارِ الحزنِ ، لأنَّ الحياة َخُلقتْ هكذا ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ ، ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ ﴾ ، ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ ، ولكنَّ المقصودَ أن تخفّفُ من حزنِك وهمِّك وغمِّك ، أما قَطْعُ الحُزْنِ بالكليَّةِ فهذا في جناتِ النعيمِ ؛ ولذلك يقولُ المنعمون في الجنة : ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ . وهذا دليلٌ على أنهُ لم يذهبْ عنهُ إلا هناكَ ، كما أنَّ كلَّ الغِلِّ لا يذهبُ إلا في الجنةِ ، ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾ ، فمنْ عَرَفَ حالةَ الدنيا وصفتها ، عَذَرَها على صدودِها وجفائِها وغَدْرِها ، وعَلِمَ ان هذا طبعُها وخلُقُها ووصفُها . حلفتْ لنا أنْ لا تخون عهودَنا
فكأَّنها حَلَفَتْ لنا أنْ لا تَفِي
فإذا كان الحالُ ما وصفْنا ، والأمرُ ما ذكرنا ، فحرِيٌّ بالأريبِ النابِهِ أنْ لا يُعينَها على نفسِه ، بالاستسلامِ للكدرِ والهمِّ والغمِّ والحزنِ ، بل يدافعُ هذه المنغصاتِ بكلِّ ما أوتيَ من قوةٍ ، ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ ، ﴿ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ ﴾ . ********************************** تحيااتي ,,,, للكل ’’’